الأحد، 28 يونيو 2009

المجتمع و الانترنيت: مدونات الشواذ.. عندما ترتدي الخطيئة ثوب الضحية

المجتمع و الانترنيت: مدونات الشواذ.. عندما ترتدي الخطيئة ثوب الضحية.



"سألتني أمي وأبي إذا كنت مثليا، فقلت: هل يهم؟ فقالوا: كلا لا يهم، قلت: نعم، قالوا: اخرج من حياتنا.. أعتقد أنه يهم!! وعندما سألني رئيسي في العمل إذا كنت مثليا.. سألته: وهل يهم؟ قال: كلا لا يهم.. فقلت نعم أنا مثلي، قال: أنت مطرود.. أعتقد أنه يهم!! وعندما سألني أصدقائي: هل أنت مثلي؟ قلت: وهل يهم؟ قالوا: كلا، قلت: نعم، قالوا: لا تنادينا بأصدقائك.. نعتقد أنه يهم!! وعندما سألني حبيبي: هل تحبني؟ قلت: وهل يهم؟ قال: نعم، قلت: نعم أحبك، قال: دعني أضمك بين ذراعي، ولأول مرة في حياتي.. كان هناك شيء يهم، ولن يهمني شيء بعد الآن".

هذه القصة القصيرة ليست من نسج الخيال ولكنها إحدى التدوينات التي يكتبها الشواذ على شبكة مدوناتهم ليعبروا بها عما يدور داخلهم، محاولين أن يعبروا من خلالها لمن هم خارجهم. ولكن الأفكار كثيرة ومتشابكة، تعكس حينا تناقض الإنسان مع نفسه، رفضه للحالة التي هو عليها وتعاطفه معها، وحينا آخر تصادف حالة عالية من الكبرياء تسيطر على الكلمات والرسالة واحدة "أنا لا أستهدف إقناعك، ولكن إذا كنت لا تقبلني فلا تفكر أن تجرحني".

وحالات أخرى مفتوحة للحديث عن القرب من الله وأنهم لا يريدون البعد عنه وأنهم يشعرون أن هذه خلقته مع إنكار تام أو تجاهل عن عمد لكل ما نصت عليه الآيات السماوية من نهر ولعن لكل من يتأتى عنه هذا السلوك الذي رضوا أو لم يرضوا يوصف بـ"الشاذ" لا من باب رفعه على منصة الاتهام لأنه مخالف لتعاليم ارتضى بها كل حسب دينه، ولكن لأنه المعنى الحرفي لما يأتون به من شيء يختلف عن المعتاد والمنتشر بين البشر. نعرض لبعض من أفكارهم والمشاعر التي تؤرقهم، لعلنا نعرف دوافعهم فنتعلم كيف نواجهها ونرد عليها.

ضد الاضطهاد

أغلبهم لا يصرح باسمه، ولكن يأخذ لنفسه رمزا ويكتب اسم دولته، ونبدأ مع أشهر تلك المدونات، وهي لشاب سعودي يعيش الشذوذ الجنسي . وضع افتتاحية ثابتة تقول: "أنا مثلي ويحق لي التعبير عن رأيي.. أنا مثلي ولست بشاذ أو منحرف كما يعتقد البعض.. أنا إنسان لديه مشاعر.. أحب وأفرح.. أغضب وأحزن.. أنا صحافي وطبيب ومحامي ومهندس وعامل وطالب.. أنا مثلي ولست بقادم من كوكب آخر.. أنا فرد من هذا المجتمع الذي عليه أن يبادلني الاحترام.. أنا مثلي ولم أختر ذلك.. من منا اختار أن يكون أبيض أو أسمر، طويلا أو قصيرا، سمينا أو ضعيفا.. أنا مثلي، الأمر الذي يعطيني مزيدا من الدفع للعمل والابتكار لإثبات مقدرتي أمام نفسي والآخرين.. أنا مثلي ولن أختبئ من نظرات الاستخفاف أو الاستغباء التي يظهرها البعض؛ لأنه غبي من استغبى الآخرين.. فانظر إلي، لشخصي ولأعمالي وليس لأي أمر آخر.. أنا مثلي، ولست بإنسان يركض وراء اللهو والجنس، أقوم بواجبي لخدمة مجتمعي، وأريد المطالبة بحقي وهو الاحترام، أطلب منك النظر حولك، فهناك دائما شخص قريب منك قد يكون مثليا.. قد يكون صديقك، أخاك، قريبك أو حتى أنت ولكنك لا تجرؤ على الإفصاح عن ذلك.. أنا مثلي وأريد أن أعيش باحترام وكرامة.. يحق لي بعيش كريم بعيدا عن الأحكام المسبقة، باختصار أنا مثلي مثلك".

وتنتشر في غير هذه المدونة الأفكار التي تناقش القضية من منطلق يطالب بتبادل الاحترام مع الجميع إذا لم يفرض عليك شيء أو يستهزأ بك، وهناك من يتحدث بصيغة الجمع ويضع الشاذين الجنسيين في نفس قائمة الأقليات العرقية والدينية، وبشكل عام هناك ميل لثقافة الاضطهاد وعرض الآلام، واتهام كل الآخرين بالعدوانية يسيطر على كتاباتهم.

كتابة لتوضيح الصورة

كما تلمح بكتاباتهم رغبة مباشرة ودفينة في نفي الصورة الكوميدية المنتشرة عن الرجل الشاذ جنسيا التي تشبهه بأفعال وتصرفات النساء والعكس بالنسبة للفتاة التي تعيش هذا الشذوذ وإن لم نجد مدونات لهن، ولكن أحد الشباب الأردني وهو شاذ كتب يحكي عن صديقة له "مثلية"، وقال هي فتاة رقيقة ليست بصوت أجش ولا تهزر هزارا ثقيلا كما نفعل نحن الرجال.

والحب والمشاعر حاضرة بقوة أيضا كما رأينا في القصة الأولى، فهناك صورة أخرى يواجهها هؤلاء، وهى أنهم نهمون للجنس ومتحرشون بمن حولهم. ولكن هذا لا يمنع أن تجد على مدوناتهم فيديو يتكرر كثيرا وبرامج إلكترونية تشرح كيفية ممارسة الفعل الشاذ وتروج له بشكل فاضح وحسي دون خجل.

يكتب بعض الشواذ أنه غير مرغوب من غير المثلي الدخول لهذه المدونات، ولكن المضمون غالبا يوجه لمن هم غير مثليين، فتقرأ أكثر من مرة عن مشاهير العالم ممن يؤكد الكاتب شذوذهم، وبالطبع يأخذ هذا برهانا على بساطة الأمر، وأنه يمكن تقبله، خاصة أن كثيرا من الشخصيات الذكورية التي تعرضوا لها وقالوا إنها تعيش شذوذا جنسيا هم نجوم ولهم رصيد كبير من الإعجاب بين الفتيات والسيدات.

بل إن بعضهم بحث في التراث وجاء بقصص تؤكد وجود الشاذين في العصر العباسي وقبول المجتمع لهم، فيقول "لا أنكر أني وجدت صعوبة بالغة في نشر بعض من حكايا الغلمان والمتيمين بهم من الرجال في عهد بني العباس عبر صفحات مدونتي، ليس لندرة المراجع فحسب، بل لجرأة التعابير المستخدمة في الوصف والتي تجاوزت مفهوم الحياء من وجهة نظري على الأقل، وإن كانت تعكس من ناحية أخرى حرية الكتابة في زمن ولى، بينما تُنتهك اليوم حرية التعبير تحت كل المسميات الفارغة، أو عندما يصبح الدين أفيونا يكبح الإبداع فينا".

ولكن هذا لا يمنع أيضا أن تجد بينهم من يحاول وصف حالته التي كما يقول تختلف عن الرجال النساء فيقول: "إحساس نما بداخلي وكبر حتى تمرد علي وأخذ يطاردني في حياة لا تقبل النعومة، ووسط انتقادات الآخرين أصبحت تائها، أخذت ألملمه وأحصره بداخلي، لكن لا فائدة فمشاعري وعواطفي ودموعي وذوقي وألواني واهتماماتي وحتى حركة أصابعي في تلمس الأشياء توحي بهذا الإحساس، أنا لا أنكر ذكوريتي ولا ألغيها، بل أراعي بها مجتمعي في شكلي الخارجي لأني فرد من هذا المجتمع، لكن الظاهر أن الشكل الخارجي وحده لا يكفي".

يعيشون الشذوذ ويصلون

وفي تدويناتهم تقرأ عبارات التهنئة بحلول شهر رمضان ودعاء بأن يتقبل الله صيامهم ودعوة لعدم ممارسة الجنس خلال صباح هذا الشهر، وأحاديث أخرى عن شهداء الحرب في لبنان وغزة، أي أن أغلبهم يقول إنه يدرك دينه ويبقي عليه.
وقليلون من تعرضوا لتحريم مثل هذا الفعل بالدين الإسلامي، والذي يعتبر من الكبائر، فكتب أحدهم "أحاول أن ألتزم الصلاة لكن من حولي يشعروني دائما أني ملعون ولا يقبل مني شيء، ولكني أثق برحمة الله"، و كتب آخر "هل يعاقب الله الأعمى أو الأصم، فلما سيعاقبني أنا"، ويكمل "أعرف أن الله عادل وقد يكون هناك تفسير لهذه الآيات مختلف، وقد يكون المقصود باللعنة فقط هم قوم لوط لأنهم كانوا يجبرون غيرهم على ممارسة هذا الفعل معهم"، وهناك منهم من نصح رفيقه وقد رأى تزعزع دينه "خلينا نعيش الحياة متل ماهية، ونتقبل حالنا وما يكون حالنا سبب في ترك أمور كالصلاة والصوم وغيروو، الدين ما لو علاقة ، اعبد الله وعيش حياتك ما تخلي الشيطان يحرمك من رحمة الله وبالنهاية الحمد لله عالخلقة التامة بيضل في ناس أسوأ منا في ناس متلنا بس عندهن اعاقات تانية الله لا يبلينا".

يتحدثون إليهم

وفي صفحة التعليقات تجد أغلبها لحالات مشابهة، فهم أصبحوا أشبه بالجيتو، وتجد أيضا تعليقات محذوفة من الواضح أنها شملت وجهة نظر معارضة أو شتائم ولعنات، فرفعها صاحب المدونة وأعلن رفضه زيارتهم لمدونته، إلا أن هذا لم يمنع أن نجد من يدعوهم للحوار قائلا: "يا سيدي بما أننا مختلفين في الشخصية والتوجه والمبادئ فأنا أدعو سيادتكم للنقاش والحوار المثمر البناء عشان نقدر نتفهم بعض، مفيش حاجة في الكون ثابتة بس لازم حد فينا يبقى صح". ولم أجد بعدها نقاش مفتوح ولا أعرف أي الطرفين المختلفين يتحمل المسئولية.


المبالغة في رد الفعل

وحول تعاظم شعور الشواذ بكونهم ضحية وحضور الاضطهاد بقوة في كتاباتهم يقول د. محمد المهدي- استشاري الطب لنفسي والمستشار الإجتماعي بشبكة إسلام أو لاين.نت، أن المبالغة في وصم الشواذ واضطهادهم ونبذهم، يؤدي الى المبالغة في الشعور بالاضطهاد ومن ثم تتشكل حركات الدفاع والتحرير، وتمارس ما يمكن أن نسميه بـ"الوصم المضاد"؛ لكونه يتميز أيضا بالخلط بين المريض والمرض، ومن أجل الحفاظ على حقوق المريض يدعو إلى الحفاظ على حقوق المرض".

ويضيف د.المهدي و هنا تكمن الخطورة حيث تتحول المعركة بين الشواذ ومجتمعهم، بدلاً من أن تصبح بين الجميع وبين الشذوذ أو المرض أو الانحراف الحادث.. فمثلاً لا يصح وصم مريض الإيدز أو استبعاده أو اضطهاده، ولكننا نوجه الجهد للإيدز نفسه لمقاومته، ولا يصح أيضا أن نحتفي بالإيدز ونقرر التعايش معه والفخر به، وكذلك الحال في الإدمان والقمار.

ويقول الدكتور "أوسم وصفي" في كتابه "شفاء الحب": "هذا بالطبع رد فعل مفهوم لكل سلوك مجتمعي يتميز بالوصم والتمييز، فالمشكلة تنبع أساسًا من ميلنا البشري للوصم والعزل والتمييز، فالوصم هو نوع من أنواع الخلط بين الإنسان ومرضه أو سلوكه، والنتيجة الطبيعية لهذا الخلط هي العزل والتمييز، حيث يقوم المجتمع -خوفًا من المرض- بمحاربة المريض بدلاً من محاربة المرض.

المنطق المضاد

وحول آليات الرد على منطق الشواذ يؤكد د. المهدي : أن المجتمع لابد من التسلح بمجموعة من الردود لمواجهة حجج الشواذ، فمثلا عندما يتساءل بعض الشواذ: وما ذنبنا نحن في وجود غرائز في اتجاهات مختلفة عن بقية الناس، وكيف نصرف غرائزنا الجنسية في اتجاهات يرغبها المجتمع ولا نرغبها؟..
يكون الجواب: أن هذا يعيدنا إلى التسليم بحكمة الله وعدله في كل ما خلق وأبدع، فلكل خلق وظيفة وغاية قد نفهمها وقد لا نفهمها، وقياسًا على هذا نستطيع استيعاب وقبول خلق الله تعالى لأشخاص معوقين جسديًّا أو ذهنيًّا، وللحشرات والوحوش، والزلازل والبراكين والبرق والرعد،...، وكلها أشياء قد تبدو في ظاهرها بلا جدوى، بل قد تبدو ضارة، ولكنها حكمة الله في خلق الشيء ونقيضه، وفي بيان القواعد والاستثناءات.

وكل تلك الأشياء تدخل في باب الابتلاء "ونبلوكم بالشر والخير فتنة"، فالأمر لا يقاس بالحياة الدنيا، وإلا اضطرب الفهم، ولكنه يقاس بالوجود الممتد في الدنيا والآخرة، وهذا المعنى يتضح بقوة في سورة "الكهف"، حيث تبدو لنا بعض الأشياء في الظاهر بصورة، ولكن يكمن وراءها في الخلفية أشياء أخرى لا نعلمها، ولكن يعلمها الله تعالى.

وهنا يصح القول بأن الشذوذ الجنسي لمن وجدها في نفسه ولم ينشطها أو يستحثها هي ابتلاء، والله يمنح الثواب على الصبر على الابتلاء، ويقدر كل أمر بقدره، ولا شك في عدله ورحمته، فهو الخالق وله الحق أن يبتلي من شاء بما شاء ويحاسب كل شخص على ما فعل في ابتلائه.. وليس فقط الشذوذ هو الابتلاء فالفقر ابتلاء، والغنى ابتلاء، والنجاح ابتلاء، والفشل ابتلاء، والصحة ابتلاء، والمرض ابتلاء.

وقد يقول قائل: ولماذا يحرم الشذوذ الجنسي؟.. أليست خيارًا في الممارسة الجنسية؟ وما ذنب هؤلاء الذين لا يجدون رغبة في جنس معين؟ ولماذا يجبرون على علاقة جنسية مع جنس يشعرون تجاهه بالبرود، وأحيانًا بالقرف والاشمئزاز؟ ولماذا تنشأ مشاعر الجنسية المثلية إذا كانت ضد قوانين الإنجاب والتكاثر وضد تكوين الأسرة؟.

والجواب هو: أن التحريم لا يقوم على المنطق البشري، وإنما يقوم على حكمة وإرادة إلهية، وهذا كان هو الدرس الكوني الأول حين أباح الله لآدم عليه السلام التنعم بكل شيء في الجنة، إلا شجرة واحدة حرّمها عليه، وقد نسي آدم عليه السلام عهده مع الله، وبدافع الفضول والرغبة في التملك والخلود وبوسوسة من الشيطان ذهب وأكل من الشجرة المحرمة، وربما قال له عقله: وما الفرق بين هذه الشجرة وسائر الأشجار؟... ولماذا تحرم عليّ هذه الشجرة؟.

ولهذا أكل آدم من الشجرة فبدت له سوءته، وخرج من الجنة، وعلَّمه الله كلمات ليتوب بها من ذنبه حتى لا تلتصق به الخطيئة وتيئسه من العودة إلى طريق الهداية.. هذا الدرس الكوني الأول يعطي معنى للحلال والحرام يتجاوز المنطق البشري، فالخالق هو الذي يحرم ويحلل لحكمة يعلمها والمخلوقون يقولون: سمعنا وأطعنا.

ولكن هناك بعض المخلوقين يقولون سمعنا وعصينا، والجزاء يترتب في النهاية على هذه القدرة على التعامل مع القوانين الإلهية.

ليست هناك تعليقات: