الجمعة، 19 يونيو 2009

قضايا اقتصادية: كيف استفادت الصين من الأزمة المالية العالمية؟

قضايا اقتصادية: كيف استفادت الصين من الأزمة المالية العالمية؟


لن نبالغ إذا قلنا إن سور الصين العظيم أخذ اليوم يلتف حول عنق الاقتصاد العالمي وإن الصيرورة الاقتصادية إذا استمرت على هذا المنوال فإن الأمر سيؤول في النهاية إلى تغيير جذري في مراتب القوى العالمية.

وبديهي أن هذا لا يعني تغييرا اقتصاديا فحسب، بل لابد أن يكون له مفعول أيضا على مستوى السياسة الدولية في المستقبل.

وليس هذا من باب التخمين، بل إن كل المؤشرات الحالية تدفع نحو التنبؤ بوقوعه.

ففي سياق استبصار مستقبل القوة الصينية المتصاعدة ذكر تقرير لمؤسسة رايسووترهاوس المتخصصة في الاستثمار أن من المتوقع وفق التقديرات الحالية أن يشهد الاقتصاد الصيني نموا متسارعا بحيث سيتجاوز بحلول عام 2050 كافة الدول المتقدمة.

ولن يقتصر هذا التغيير في ميزان القوى الاقتصادية على الصين وحدها، بل من المتوقع أن الاقتصاد الآسيوي سيشهد تغييرا داخليا في تراتبيته الحالية، بحيث ستتفوق الهند على اليابان.

التنين الصيني شبح يقلق للغرب

لقد أصبح الغرب اليوم –والولايات المتحدة الأميركية بشكل خاص– ينظر إلى نمو الاقتصاد الصيني بنظرة جد قلقة، ليس فقط بسبب قدرته التنافسية وتهديده للمصالح الاقتصادية الغربية، بل أيضا بسبب تباين الرؤى السياسية الإستراتيجية. فالصين -رغم كونها أكثر توحشا في أسلوبها الرأسمالي من الأنظمة الرأسمالية ذاتها– لا تزال في فلسفتها السياسية تُصنف على أنها نظام شيوعي.


ومما يزيد الآن في اشتداد الفوبيا الصينية في الوعي الغربي الطريقة التي تعاملت بها الصين مع أزمة الائتمان التي عصفت بالنظام المالي العالمي. صحيح أن الأزمة المالية انعكس أثرها السلبي أيضا على الصين، حيث إن التوقعات الاقتصادية -كما يقول دومينيك بارتون رئيس المؤسسة الاستشارية مكنزي آند كومباني– تشير إلى انخفاض محتمل بنقطتين مئويتين في نمو الصين الاقتصادي عام 2009، إلا أنه كما يضيف أيضا "رغم هذا الانخفاض فإن محركات النمو الاقتصادي الصيني، تظل هائلة بسبب قاعدتها الاستهلاكية الضخمة وإنفاقها الكبير على البنية التحتية والوضع المالي القوي للحكومة الصينية".

بل يرى أن "بعض القطاعات والشركات تنمو الآن بمعدل يتراوح بين 40 و50%" رغم الأزمة المالية الحالية، ورغم تنامي هذه الأزمة وتحولها إلى أزمة اقتصادية لا مالية فقط.

فكيف استطاعت الصين أن تستفيد من واقع الأزمة، وتحوله لصالحها؟

استغلال الأزمة المالية

في بداية هذا العام، وبينما كان العالم يقف مشدوها أمام الانهيار الكبير الذي أصاب قطاعي البنوك والعقارات، وبينما كانت مبادرات الحكومات الغربية تكاد تنحصر في إطلاق عبارات نفسية لطمأنة المواطن حتى لا يزداد قلقه، وبينما كانت معالجاتها تكاد تنحصر في ضخ كميات مالية، سرعان ما كانت تبتلع وكأنها قطرات ماء مسكوبة في صحراء، كانت الصين منتشية بالحدث معتبرة إياه فرصتها التاريخية التي لا تعوض.

فبحسب تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأميركية نشر بمجلة كوريي إنترناشيونال الفرنسية في العدد رقم 960 في مارس/آذار 2009 كانت وسائل الإعلام الصينية الرسمية تتناول ظاهرة الأزمة العالمية بوصفها "فرصة لا يمكن أن تحدث إلا مرة واحدة كل قرن".

وبالفعل تعاملت الصين مع الأزمة باعتبارها معطى لتمديد نفوذها الاقتصادي.

فقد لوحظ بدءا من شهر فبراير/شباط الماضي نشاط متزايد للمؤسسات والشركات الصينية، تركز في شراء أسهم مؤسسات اقتصادية عملاقة في روسيا وإيران والبرازيل وفنزويلا وأستراليا وفرنسا. وكان هذا بحسب تقرير واشنطن بوست دليلا على وجود خطة إستراتيجية من قبل الرأسمال الصيني قصدها الاستحواذ على مقدرات ومؤسسات اقتصادية حيوية، وخاصة تلك التي تشتغل في قطاع المعادن والمقدرات الطبيعية التي تنهض عليها الحياة، وذلك بثمن مخفض بسبب الأزمة المالية العالمية وإحجام البنوك عن الإقراض الأمر الذي جعل الفاعل الاقتصادي الصيني بلا منافس بسبب احتياطيه المالي الهائل.

ففي 12 فبراير/شباط 2009 وقعت مؤسسة شينالكو، عملاق الألومونيوم الصيني مع المجموعة الأسترالية ريو تانتو اتفاقية بمبلغ 19.5 مليار دولار أميركي.


وفي 17 و18 من نفس الشهر وقعت تشاينا ناشيونال بتروليوم مع روسيا وفنزويلا اتفاقيتين تقرض بموجبهما لروسيا مبلغ 25 مليار دولار، ولفنزويلا مبلغ 4 مليارات دولار مقابل مد الصين بالبترول على مدى زمني طويل.

وفي 19 فبراير/شباط وقع بنك التنمية الصيني اتفاقية مع شركة النفط الفنزويلية بتروباس بمبلغ 10 مليارات دولار.

الصين توسع نفوذها

ولتوسيع نفوذها الدولي قامت الدولة الصينية بإعادة نسج وتوثيق علاقاتها الاقتصادية الدولية، تمهيدا لتمتين علاقاتها السياسية، حيث قدمت –وهي التي تملك أكبر احتياطي من العملة الأجنبية في العالم- مساعدات مالية مهمة لمجموعة من الدول كما قام وزير الاقتصاد الصيني شين ديمينغ يصطحب تسعين من مديري كبريات الشركات الصينية بزيارات عمل لألمانيا وسويسرا وإسبانيا وبريطانيا أسفرت عن توقيع عقود اقتصادية بلغت 10 مليارات دولار.

ولوحظ أن أغلب هذه العقود تركزت في قطاعات اقتصادية حيوية.

ويستفاد من النقاش الدائر في المنتديات الاقتصادية الصينية حاليا أن ثمة تفكيرا جديا للانطلاق نحو الاستحواذ على قطاع صناعة السيارات الذي يعاني اليوم من كارثة مالية واقتصادية لم يشهد لها مثيلا من قبل، الأمر الذي يجعله فريسة سهلة للرأسمال الصيني المندفع نحو الإمساك بأهم مقدرات الاقتصاد العالمي.

هكذا يلاحظ أن الصين تستغل اليوم الأزمة المالية التي كبلت القطاع المصرفي العالمي لتعزيز نفوذها الاقتصادي، حتى إن حجم استثمارها في شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط بلغ ضعف استثمارها في عام 2008.

وذهب كسو كسيانغ شوم، مدير شركة ميستيل للأبحاث والدراسات، إلى أن ما تقوم به الصين اليوم من اندفاع نحو الاستحواذ على أكبر قدر ممكن من الشركات والمؤسسات، هو شبيه جدا بما قامت به اليابان في الثمانينيات من القرن الماضي .

وهنا لابد من طرح الاستفهام التالي:

إذا كانت الصين المثقلة بـ1.3 مليار نسمة عملت على التخطيط جديا للاستفادة من الأزمة العالمية، فاستثمرت رصيدها المالي، فلماذا تعجز الدول العربية وخاصة الخليجية، التي تملك رصيدا ماليا هائلا عن استغلال الأزمة بدل انتظار الوقوع في شركها؟

إن الجواب يكمن في بنية الاقتصاد العربي وطبيعته الريعية.

هناك 3 تعليقات:

بلادي المغرب يقول...

نحن ننفق ما نتحصل عليه من دولارات في شراء السيارات الفارهة وبناء القصور و الباقي نكدسه في بنوك الغرب لنأكل الربا ولا نستثمر هذه الأموال في التعليم والصناعة ولا حتى استطعنا ان نعتمد على أنفسنا في تنقيب واستخراخ النفط

افاق مغربية يقول...

الصين شعب ذكي و قوي من كل النواحي خاصة في الاقتصاد فقد اظهر للعالم ان امريكا لن تبقى ابداا قوية.

غير معرف يقول...

شكرااا على الموضوع القيم